نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت»، في ملحقها الأسبوعي فصلاً من كتاب «نقطة اللاعودة»، من تأليف الصحافي رونين برغمان، الذي يكشف عن رواية «الموساد» لتفاصيل اغتيال مؤسس «حركة الجهاد الإسلامي»، الدكتور فتحي الشقاقي، في تشرين الأول من عام 1995، في جزيرة مالطا الايطالية أثناء عودته من مؤتمر في ليبيا.
وجاء في الكتاب أنَّ رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، أمر في كانون الثاني باغتيال الشقاقي «في أعقاب تنفيذ الجهاد الاسلامي عملية بيت ليد في كانون الثاني 1995»، حيث قتل 22 اسرائيلياً وجرح 108.
بعد صدور الأوامر من رابين، بدأ «الموساد» الاستعداد لاغتيال الشقاقي، عن طريق وحدة منبثقة تسمى «خلية قيسارية». كان الشقاقي، وقبل تنفيذ عملية بيت ليد، تحت الرقابة الاسرائيلية لسنوات طويلة، لذا استطاع «الموساد» في حينه، وبعد أوامر رابين، أن «يحدد مكان الشقاقي في دمشق بسهولة».
إلا أنَّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي، حذّر من مغبة هذه العملية، معتبراً أنَّ عملية كهذه «ستؤدي إلى غضب سوري كبير».
قبل رابين توصيات ساغي، وأمر «الموساد» بتجهيز خطةٍ بديلة لاغتيال الشقاقي في مكان غير دمشق. وجد «الموساد» صعوبة في هذا الشأن إلا انه عمل كما يريد رابين.
كان الشقاقي على علم بأنَّه ملاحَق، لذا لم يخرج كثيراً من دمشق وكان حويصاً، حسبما قال الاسرائيليون. وذكرت مصادر من «الموساد» أنَّ الشقاقي كان يسافر فقط إلى ايران عن طريق رحلات جوية مباشرة. ومع هذه الصعوبة، وضع «الموساد» خطة بديلة وسعى إلى تطبيقها.
في بداية شهر تشرين الأول من عام 1995، حسب رواية «الموساد»، تلقى الشقاقي دعوةً إلى المشاركة في ندوة «تجمع رؤساء التنظيمات » في ليبيا. وعلم الموساد أنّ سعيد موسى مرارة (أبو موسى) من «فتح» سيشارك أيضاً في الندوة.
وقال أحد أعضاء «الموساد»، لم يتم الكشف عن اسمه، إن أبو موسى من خصوم الشقاقي، وإذا شارك في المؤتمر، فإنَّ الشقاقي سيشارك. وطالب المختصين في الموساد «بالاستعداد».
مسار سفر الشقاقي إلى ليبيا كان معروفاً للموساد من خلال رحلاته السابقة، اي عن طريق مالطا. عندها أعد أعضاء «قيسارية» خطتين: اختطاف الشقاقي أثناء سفره من مالطا إلى ليبيا. إلا أنَّ رابين لم يوافق على هذه الخطة «خشية التورط دولياً». أما الخطة الثانية، فكانت تصفية الشقاقي أثناء وجوده في مالطا.
سافر رجال «الموساد» إلى مالطا وانتظروا الشقاقي في المطار. لم يخرج الشقاقي في الرحلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدأ رجال «الموساد» يفقدون الأمل بهبوط الشقاقي في مالطا، لكنهم سمعوا صوت أحد رجال «الموساد» في أجهزة الاتصال يقول «لحظة، لحظة، هناك أحد يجلس جانباً ووحيداً». اقترب رجل «الموساد» من هناك، وقال مرة أخرى في الجهاز «على ما يبدو هذا هو، وضع على رأسه شعراً مستعاراً للتمويه».
انتظر الشقاقي ساعة في مالطا، ومن بعدها سافر إلى المؤتمر في ليبيا، من دون معرفته أنه مراقب. ويقول «الموساد» إنَّ الشقاقي التقى هناك أبو موسى وطلال ناجي من قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة تحت قيادة أحمد جبريل.
في السادس والعشرين من تشرين الأول، عاد الشقاقي إلى مالطا. وعرف «الموساد» أنَّ الشقاقي يستعمل جواز سفر ليبياً باسم ابراهيم الشاويش. ولم يجد صعوبة في تحديد مكانه في مالطا، بناءً على اسمه في جواز السفر.
وصل الشقاقي في صبيحة اليوم نفسه إلى مالطا، واستأجر غرفة في فندق يقع في مدينة النقاهة «سليمة». استأجر غرفة لليلة واحدة. كان رقم الغرفة 616. في الساعة الحادية عشرة والنصف، خرج الشقاقي من الفندق بهدف التسوق. دخل إلى متجر «ماركس أند سبنسر» واشترى ثوباً من هناك. وانتقل إلى متجر آخر واشترى أيضاً ثلاثة قمصان.
وحسب رواية «الموساد»، واصل الشقاقي سيره على الأقدام في مالطا ولم ينتبه إلى الدراجة النارية من نوع «ياماها» التي لاحقته طيلة الطريق بحذر.
بدأ سائق الدراجة النارية يقترب من الشقاقي حتى سار إلى جانبه محتسباً كل خطوة. أخرج الراكب الثاني، الجالس وراء السائق، مسدساً من جيبه مع كاتم للصوت، وأطلق النار على الشقاقي.. ثلاثة عيارات نارية في رأسه حتى تأكد من أنه «لن يخرج حياً من هذه العملية».
أُلصق بالمسدس الإسرائيلي جيب لالتقاط العيارات النارية الفارغة، لتفريغ منطقة الجريمة من الأدلة وتجنب التحقيقات وإبعاد الشبهات المؤكدة حول إسرائيل.
وكشف «الموساد» أنَّ الدراجة النارية كانت قد سرقت قبل ليلة واحدة من تنفيذ العملية وتم «تخليص» عملاء «الموساد» من مالطا، من دون الكشف عن تفاصيل «تخليصهم».
أعضاء الخلية «قيسارية»، هم أيضاً شاركوا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في الأردن، وتم في ما بعد تفكيكها.
ورأى «الموساد» عملية اغتيال الشقاقي إحدى «أنجح العمليات التي قام بها». إلا أنَّه «أدخل اسرائيل في حالة من التأهب القصوى بعدما وصلت إنذارات بعمليات تفجيرية».
والشقاقي من مواليد مخيم رفح 1951، التحق بجامعة الزقازيق في مصر، حيث درس الطب. وأسس حركة الجهاد الإسلامي مع مجموعة من أصدقائه الفلسطينيين الذين كانو يدرسون معه . واعتقل في فلسطين أكثر من مرة عامي 1983 و1986 ثم أبعد في آب 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة الأولى.